هموم وافكار

إن المرء عندما يتحرك وينشغل كثيرا يجد نفسه يدور في حلقة مفرغة أي كانت أسباب حركته ويكون الخطأ كبير عندما لا يجد الفرد وقتا للسكينة والحساب والهدوء مع نفسه وإعادة شحن نفسه وقلبه وهنا تظهر عليه حالة من الرتابة والملل والشجون والحزن وعادة ما تتراكم هذه الهموم وهو يقاوم والهموم تتجمع حتي يأتي هما صغيرا أو كبيرا يقعده ويكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير.


وقد وصلت نفسي إلي حالة من الهم والضيق تمنيت عندها أن لو كنت نسيا منسيا أو قل يا ليت أم عمر لم تلد عمرا وأصبحت أردد يا ليتني كنت شعرة في صدر رجل مؤمن.وشعرت برغبة شديدة في الدخول في حالة صمت أو عزلة ولم تسمح لي الظروف بخلوة ولو ليومين .

سألت زميلا لي عن وسائل تفريج الهموم فقال لي إجابة أعرفها ولكن لا بأس فلأفعلها .فبدأت في تلاوة آيات من القران الكريم ووقفت مع قول الله عز وجل "لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا, وقالوا: هذا إفك مبين" والذي يتحدث عن حادث الإفك وهنا ذكرت ما وقع لسيدي رسول الله وأم المؤمنين عائشة من بلاء واتهام وهان في نفسي شئ من الهم فلست شئ بجانب رسول الله صلي الله عليه وسلم .

ثم خلوت بنفسي ليلة كاملة أفكر في حالي وتقصيري وأحاسب نفسي لمرة وأعدت أقيم حركة حياتي ماذا قدمت لحياتي وماذا فعلت لدعوتي ولم أذل كذلك حتي الفجر وكان مما جاء في نفسي الشعور بندم شديد جراء هذا التقصير وسألت نفسي ماذا قدمت فوجدتني لست علي يقين من قبول أي شئ فإن الله يتقبل من المتقين . وجلست أسأل نفسي هل قبلت لي صلاة أو صيام أو شئ أخر من عبادة فلم أجدني واثقا من شئ أكثر مني أني أحب هذه الدعوة وأحب الإخوان الذين عشت بينهم أكثر مما عشت مع أسرتي وزوجتي وأبنائي .ودعوت الله أن يقبلني بفضلهم ويحشرني معهم في الجنة وأن تصيبني شفاعة رجل صالح منهم.

وتابعت محاسبة نفسي فوجدت أن أسوأ ما في نفسي الثورة وسرعة الغضب ووجدت أن هذا قد أوصلني أحيانا إلي أخطاء يصعب أحيانا إصلاحها فالكلمة أو الفعل تفعله في لحظة الغضب يصعب إصلاحه وأحيانا تتمني لو خسرت كل ما تملك وأنك ما نطقت أو فعلت ولكن واللات حين مندم. وذكرت قصة الأثر في رحلة الإسراء من رؤى النبي لكائن عظيم يخرج من جحر صغير ويحاول الرجوع إليه فلا يستطيع . ثم ذكرت قصة الحكيم الذي أراد أن يعلم ابنه درسا فقال له إذا أسأت لأحد فاحمل هذا الشاكوش وضع مسمار في الحائط والولد يفعل فدق في اليوم الأول عدد من المسامير وذكر جرمه فقاوم نفسه وفي اليوم التالي فعل أقل حتي وصل في يوم إلي حالة من الفرحة فلم يفعل اليوم إساءة . وهنا سأله أبيه هي بنا نزيل تلك المسامير فكان الفتي كلما خلع مسمارا ترك أثر فقال لقد تعلمت لكنك لن تزيل أثر ما فعلت وهنا زادت حسرتي تري كم تسببت لإخواني بألم وأنا لم أدري .

مما ألم بي من هموم أو قل انشغال وتفكير هو ذلك الوضع الجديد وهذا الجو من الحرية الذي تعيشه الدعوة بعد ثورة 25 يناير بما فيه من انفتاح علي المجتمع وما يشغلني ما أراه من مظاهر مزاحمة بعض الإخوة وأنا منهم علي الدنيا ووجود حالة من الحرية تسمح بالتنافس وأحسب أن الأمر يحتاج إلي وقفة مع النفس ومراجعتها فالتقدم له شروط والاختيار مسئولية وأمانة والتنافر والخلاف قد يصيب النفوس إذا نسيت رسالتها . ففي الماضي كانت المحن تألف القلوب وتجمعها وتذيب الخلاف وتستر العيوب وتظهر من النفوس أنفس ما فيها وقد رأيت ما أظن ونحن نقيم بعض أعمالنا.

رأيت صورة رائعة كم كنت أحلم بحدوثها وربما أحسست أني سأموت ولا أقابل ذلك اليوم ولكن كان فضل الله علينا عظيما فقد جاء اليوم الذي تجتمع فيه مجالس شوري الإخوان بإيتاي البارود لتختار ممثليهم في مجلس الشعب والشورى بأحد الأماكن العامة وحين تمت التجربة بنجاح شعرت بفرحة وخوف كالذي ذكرته في السابق الخوف من أن تتحول الممارسة الدعوية من عبادة وتجرد إلي عمل حزبي ولكني أراهن علي هذا الصف العظيم وفي قدرته علي إعلاء قدر الربانية في نفوسنا إنشاء الله.

وبعد هذه الصورة بأيام رأيت صورة أخر أبدع وأروع تمثلت في لقاء شباب الإخوان جميعا في مكان واحد للتعبير عن أرائهم وابتكاراتهم وابداعتهم للارتقاء بوسائل دعوتهم وفيها رأيت شبابا عالي الفكر ثاقب الرؤيا محبا لدعوته يمتاز بالأدب والانضباط مع قوة العرض ودقة البيان ورأيت كبار اتسعت صدورهم لتسمع من الشباب مع إقرارهم بالتقصير ورغبتهم العالية في الإصلاح والتجديد وهنا اتفق الجميع علي أن للكل دور لا بد من القيام به شبابا وشيوخا وأن العبرة بمن صدق لا بمن سبق. وهنا لابد أن أذكر بأن هناك ضرورة من تواصل الأجيال مع تذكير الكل بأن في الدعوة رجالا ونساء لا توجد فرجة بين جيل وأخر وإنما هو التواصل والاستمرار واستكمال البناء ولابد دائما من مراعاة أعراف الجماعة وأدب الخلاف والتمازج بين الجميع .

هناك هما أخر يشعر به كل مسلم متابع لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة منها وهي حالة الهجوم علي الإسلام من خلال الحديث عن بعض المصطلحات مثل الدولة المدنية والدولة الدينية وقضية المواطنة وهؤلاء وهؤلاء يعرفون جيدا أن الإسلام ما عرف أبدا الدولة الدينية وأن حقوق الغير مصانة بموجب مبادئ الشريعة الإسلامية والواضح أنها حربا جديدة علي الإخوان بل كل التيارات الإسلامية بل أحيان يكون الإسلام ذاته هنا أري أنني وغير مقصرين في الرد علي هذه الشبهات وفتح الحوارات مع المجتمع حولها وتحسين الصورة الذهنية عن الجماعة وعن الدعوة.

وأخيرا تصفحت بعض الورقات لأبحث عن دعاء في تفريج الهموم والكروب فوجدت هذا الكلام الرائع أدعو به لنفسي وإخواني. لا اله إلا الله الحليم الكريم لا اله إلا الله العلى العظيم لا اله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم... 'يا ودود يا و دود ، ياذا العرش المجيد ، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملئ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك و أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت،يا مغيث أغثني، استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
اللهم نسألك يا غفور يا رحمن يا رحيم أن تفتح لأدعيتنا أبواب الإجابة يا من إذا سأله المضطر أجاب يا من يقول للشيء كن فيكون اللهم لا تردنا خائبين وآتنا أفضل ما يؤتى عبادك الصالحين اللهم ولا تصرفنا عن بحر جودك خاسرين ولا ضالين ولا مضلين واغفر لنا إلى يوم الدين برحمتك يا ارحم الرحمين .اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه محمد صلى الله عليه وسلم واستعيذ بك من شر ما استعاذ منه